فصل: الباب الخامس: فيما أوله جيم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأمثال **


843- جاءَ وَقَدْ قَرَضَ رِبَاطَهُ‏.‏

الرِّباط‏:‏ ما يُرْبَط أي يشدُّ به الدابة وغيرها، والجمع رُبُط، وقَرَض‏:‏ أي قطع، وأصله في الظبي يقطع حِبالته فيفلت فيجيء مجهوداً‏.‏

يضرب لمن هو في مثل حاله‏.‏

844- جاءَ عَلَى غُبَيْرَاءِ الظَّهْرِ‏.‏

الغُبَيْراء‏:‏ تصغير الغَبْراء وهي الأرض، أي جاء ولا يصاحبه غير أرضه التي يجيء ويذهب يها، يكنى بها عن الخيبة، قال الأزهري‏:‏ هذا كقولهم ‏"‏رجع دَرْجَه الأول، ورجع عَوْدَهُ على بدئه، ورجع على أدْرَاجه‏"‏ كل هذا إذا رجع ولم يصب شيئاً‏.‏

845- جاوِرِينَا وَاخْبُرِينَا‏.‏

قال يونس‏:‏ كان رجلان يتعشَّقان امرأةً، وكان أحدُهما جميلا وَسيما، وكان الآخر دَميما تقتحمه العين، فكان الجميلُ منهما يقول‏:‏ عاشرينا وانظري إلينا، وكان الدميم يقول‏:‏ جاوِرِينا واخْبُرِينا، فكانت تُدْنِي الجميلَ، فقالت‏:‏ لأختبرنَّهما، فقالت لكل واحد منهما أن يَنْحَر جَزُورا، فأتتهما متنكرة، فبدأت بالجميل فوجَدَتْه عند القِدْرِ يَلْحَس الدسَم ويأكل الشحم، ويقول‏:‏ احتفظوا كلَّ بيضاء لِيَهْ، يعني الشحم، فاستطعمته فأمر لها بِثَيْلِ الجَزور، فوضع في قصعتها، ثم أتت الدَّمِيم فإذا هو يَقْسِم لحم الجزور ويُعْطي كل مَنْ سأله، فسألته فأمر لها بأطايِبِ الجزور، فوضع في قصعتها، فرفعت الذي أعطاها كلُّ واحدٍ منهما على حِدَة، فلما أصبحا غَدَوَا إليها فوضَعَت بين يدي كل واحد منهما ما أعطاها، وأقصت الجميل، وقربت الدميم، ويقال‏:‏ إنها تزوجته‏.‏

يضرب في القبيح المنظر الجميل المَخْبَر‏.‏

846- جَرِّبِي تَقْلِيِه‏.‏

هذا كقولهم ‏"‏أخْبُرْ تَقْلُه‏"‏ أي إن جَرَّبته قليته لما يظهر لك من مَسَاويه‏.‏

847- جَلَدَهَا بِأَيْرِ ابْنِ ألْغَزَ‏.‏

قال أبو اليقظان‏:‏ هو سعد بن ألغز الإيادي، وقال ابن الكلبي‏:‏ اسمُ ابِن ألْغَزَ الحارث، وكان جاهلياً وافر المتاع، يضرب به المثل، قال الشاعر‏:‏

أُولاَكَ الأولى كان ابْنُ ألغَزَ مِنْهُمُ * ولا مثل ما كان ابْنُ ألْغَزَ يَصْنَعُ

يمسِّحُ صَلْعَاء الْجبِينِ تَرَى له * قُمُدّاً يَشُقُّ الفَرْجَ ما لم يُوَسَّع ‏[‏ص 163‏]‏

والهاء في ‏"‏جلدها‏"‏ كناية عن المرأة وهي إذا جلدت بمثل ذلك لا تألم‏.‏

يضرب لمن يُعَاقَب بما فيه حصولُ مراده‏.‏

848- جارٌ كَجَارِ أَبِي دُاوَدٍ‏.‏

يَعْنُون كَعْبَ بن مَامَةَ، فإن كعبا كان إذا جاوره رجُل فمات وَدَاه، وإن هلك له بعيرُ أو شاة أخْلَفَ عليه، فجاءه أبو دُوَاد الشاعر مجاوراً له، فكان كعبٌ يفعل به ذلك، فضربت العرب به المثلَ في حسن الجِوار، فقالوا‏:‏ كجار أبي دُوَاد، قال قيس ابن زهير‏:‏

أطَوِّفُ ما أطَوِّفُ ثم آوِى * إلى جَارٍ كجَارِ أبي دُوَاد

وقال طَرَفَة بن العبد‏:‏

إنِّي كَفَانِيَ مِنْ أمْرٍ هَمَمْت بِه * جار كَجَارِ الْحُذَاقِيِّ الَّذِي اتَّصَفَا

الحذاقي‏:‏ هو أبو دُوَاد، وحُذَاق‏:‏ بطن من إياد، و‏"‏اتصف‏"‏ يقال‏:‏ معناه صار وَصْفا في الجود، يعني كعبا‏.‏

849- جَعَلْتُهُ نُصْبَ عَيْنِي‏.‏

النُّصْبُ‏:‏ بمعنى المنصوب، أي جعلته منصوبا لعيني، ولم أجعله بظهر، يعني لم أغفل عنه ‏.‏

يضرب في الحاجة يتحملها الْمَعْنِيُّ بها‏.‏

850- جاءَ تَضِبُّ لِثَتُهُ عَلَى كَذَا ‏.‏

الضَّبُّ والضَّبِيبُ‏:‏ السيلان‏.‏

يضرب في شدة الحرص، قال بشر‏:‏

وبَنُو نُمَيْر قد لَقينَا منهمُ * خَيْلاَ تَضِبُّ لِثاتُهَا للمغنم

851- جاءَ بأُذُنَيْ عَنَاقٍ‏.‏

العَنَاق‏:‏ الداهية، وهو ههنا الكذب والباطل، قال ابن الأعرابي‏:‏ يقال جاء بأذنَيْ عَنَاق الأرض، إذا جاء بالكذب الفاحش، وكذلك إذا جاء بالخيبة‏.‏

852- جاءَ نَاشِراً أُذُنَيْهِ‏.‏

إذا جاء طامعا‏.‏

853- جَعَلَ كلاَمِي دَبْرَ أُذُنَيْهِ‏.‏

إذا لم يلتفت إليه وتَغَافل عنه‏.‏

854- جَدَعَ الْحَلاَلُ أَنْفَ الغَيْرَةِ‏.‏

قاله صلى اللّه عليه وسلم لَيلَة زُفَّتْ فاطمةُ إلى علي رضي اللّه تعالى عنهما، وهذا حديث يُرْوَى عن الحجاج بن منهال يرفعه‏.‏

855- جاءَ يَضْرِبُ أَصْدَرَيْهِ‏.‏

أي مَنْكِبَيْه، ويروى بالسين والزاي أيضاً، إذا جاء فارغاً لم يقض طَلِبَتَه، والأصلُ في الكلمة السين، ولا تفرد، وفي ‏[‏ص 164‏]‏ كلام الحسن في الأشر‏:‏ يضرب أسْدَرَيه ويَخْطِر في مِذْرَوَيْه‏.‏

856- جاءَ بَعْدَ الَلتيَّا وَالَّتِي‏.‏

يكنى بهما عن الشدة، واللَّتَيَّا‏:‏ تصغير التي، وهي عبارة عن الداهية المتناهية، كما قالوا الدُّهَيْم واللُّهَيْم والْخُوَيْخية والفُوَيْمية، وكل هذا تصغير يراد به التكبير، والتي‏:‏ عبارةٌ عن الداهية التي لم تبلغ تلك النهاية، وهما عَلَمان للداهية، ولهاذ استغنَيَا عن الصلة قال الشاعر‏:‏

ولقد رَأبْتُ ثَأَى العَشِيرَةِ كُلِّهَا * وكَفَيْتُ حاينها اللَّتَيَّا وَالَّتِي ‏(‏الحائن‏:‏ الهالك، وحفظى ‏"‏جانيها‏"‏‏)‏

857- جاءَ يَجُرُّ رِجْلَيْهِ‏.‏

يضرب لمن يجيء مُثْقَلاً لا يقدر أن يحمل ما حُمِّلَ‏.‏

858- جاءَ بِوَرِكَيْ خَبَرٍ‏.‏

يعني جاء بالخبر بعد أن اسْتَثْبت فيه، كأنه جاء فيه أخيراً، لأن الوَرِك متأخرة عن الأعضاء التي فوقها، والمعنى أتى بخبر حق‏.‏

859- جَعَلَتْ مَا بِهَا بِيَ وَانْطَلَقَتْ تَلْمِزُ‏.‏

أصله أن رجلا أشْرَفَ على سَوْأة من امرأة، فوقع بها وعابها، فقالت‏:‏ إنما عِبْتَني بما صنعت وأنت أولى به مني، ثم انصرفَتْ عنه، فقال الرجل‏:‏ جعلت ما بها بي وانطلقت تلمز، فأرسلها مثلا‏.‏

يضرب للواقع فيما عَيَّرَ به غيره‏.‏

860- جاءَ ثَانِيَا مِنْ عِنَانِهِ‏.‏

إذا جاء ولم يقدر على حاجتة، قاله ابن رفاعة، وقال غيره‏:‏ إذا جاء وقد قضى حاجته‏.‏

861- جَلَّ الرَّفْدُ عَنِ الْهَاجِنِ‏.‏

الرَّفْدُ‏:‏ القَدَح، والهاجن‏:‏ البَكْرَة تنتج قبل أن يطلع لها سن، ويراد جَلَّت الهاجن عن الرفد‏.‏

يضرب لمن يصغر عن الأمر ولا يَقْوَى عليه‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ أصل ذلك أن ناقة هاجِناً لقوم نتجت وكانت غَزِيرة تملأ الرفد فلما أسَنَّتْ ونَيَّبَتْ قلَّ لبنُها، فقال أهلها للراعي‏:‏ ما لها لا تملأ الرفَد كما كانت تفعل‏؟‏ فقال‏:‏ جلت الهاجِنُ عن الرفد، قال أبو عمرو‏:‏ جل الرفد عن الهاجن‏.‏ يضرب للرجل القليل الخير‏.‏

862- جاءَ يَجُرُّ بَقَرَهُ‏.‏

أي عِيالَه، كنى عن العيال بالبقر لأن النساء محلُّ الْحَرْث والزرع، كما أن البقر آلة لهما‏.‏ ‏[‏ص 165‏]‏

863- أَلْجَحْشَ لَمَّا فَاتَكَ الأَعْيَاُر‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ يقال ‏"‏الجحش لما بَذَّكَ الأعيار‏"‏ أي سَبَقَكَ وفاتك‏.‏

يضرب في قناعة الرجل ببعض حاجته دون بعض‏.‏

ونصب الجحش بفعل مضمر، أي اطْلُبِ الجحش‏.‏

864- جاءَ كَخَاصِي الْعَيْرِ‏.‏

يضرب لمن جاء مُسْتَحييا، ويقال‏:‏ يضرب لمن جاء عُرْيَانا ما معه شيء، ووجه الاستحياء أن خاصِيَ العَيْر يُطْرِق رأسه عند الخصاء يتأمل في كيفية ما يصنع، وكذلك المستحي يكون مُطْرِقا، ووجه آخر، وهو أن علية الناس يترفَّعُ عن ذلك ويستحي منه، قال أبو خِرَاش‏:‏

فَجَاءَتْ كَخَاصِي العَيْر لم تحل حاجة * ولا عاجة منها تَلُوحُ على وَشْمِ

865- جَاء بِإِحْدَى بَنَاتِ طَبَقٍ‏.‏

بنتُ طَبَق‏:‏ سُلَحْفاة تزعُم العرب أنها تبيض تسعا وتسعين بيضة كلها سَلاَحف وتبيض بيضة تنقف عن أسْوَد‏.‏

يضرب للرجل يأتي بالأمر العظيم‏.‏

866- جَاءَ الْقَوْمُ كَالْجَرَادِ المُشْعِلِ‏.‏

بكسر العين‏:‏ أي متفرقين من كل ناحية، قال الشاعر‏:‏

والخيل مُشْعِلَة في ساطع ضَرِمٍ* كأَنَّهن جَرَادٌ أو يَعَاسِيبُ

867- جَاءَ فُلاَنٌ كَالْحَرِيقِ المُشْعَلِ‏.‏

هذا بفتح العين، إذا جاء مُسْرعا غَضْبان‏.‏

868- جَوِّعْ كَلْبَكَ يَتْبَعْك‏.‏

ويروى ‏"‏أجِعْ كلبك‏"‏ وكلاهما يضرب في معاشرة اللئام وما ينبغي أن يعاملوا به‏.‏

قال المفضل‏:‏ أول من قال ذلك مَلِك من ملوك حِمْيَر كان عنيفا على أهل مملكته‏:‏ يَغْصِبُهم أموالهم، ويَسْلُبهم ما في أيديهم، وكانت الكَهَنة تخبره أنهم سيقتلونه، فلا يَحْفِل بذلك، وإن امرأته سمعت أصوات السؤال فقالت‏:‏ إني لأرْحَم هؤلاء لما يَلْقَوْن من الجَهْد، ونحن في العيش الرَّغد، وإني لأخاف عليك أن يصيروا سِبَاعا، وقد كانوا لنا أتباعا، فرد عليها ‏"‏جَوِّعْ كلبك يتبعك‏"‏ وأرسلها مثلا، فلبث بذلك زمانا، ثم أغزاهم فغنموا ولم يَقْسِمْ فيهم شيئا، فلما خرجوا من عنده قالوا لأخيه وهو أميرهم‏:‏ قد ترى ما نحن فيه من الجَهْد، ونحن نكره خروجَ المُلْكِ منكم أهلَ البيت إلى غيركم فساعِدْنا على قتل أخيك، واجلس مكانه، وكان قد عَرَف ‏[‏ص 166‏]‏ بَغْيه واعتداءه عليهم، فأجابهم إلى ذلك، فوثَبوا عليه فقتلوه، فمر به عامر بن جذيمة وهو مقتول وقد سمع بقوله ‏"‏جوع كلبك يتبعك‏"‏ فقال‏:‏ ربما أكل الكلب مؤدِّبه إذا لم ينل شبعه، فأرسلها مثلا‏.‏

869- اجْعَلْ ذلِكَ فِي سِرِّ خَمِيرَةٍ‏.‏

أي اكْتُمْ ما فعلت ولا تعلمه أحدا‏.‏

870- جَاءَ بِالْشَّوْكِ وَالشَّجَرِ‏.‏

يضرب لمن جاء بالشيء الكثير من كل ما كان من جيش عظيم وغيره‏.‏

871- جَاوَزَ الحِزَامُ الطُّبْيَيْنِ‏.‏

الطُّبْي للحافر والسباع‏:‏ كالضَّرْع لغيرها ‏.‏

يضرب هذا عند بلوغ الشدة مُنْتَهاها‏.‏

وكتب عثمان إلى علي رضي الله عنهما لما حُوصِر ‏"‏أما بعد فإن السَّيْلَ قد بلغ الزُّبى، وجاوز الحِزَامُ الطُّبْيَيْنِ، وتجاوز الأمر بي قَدْرَه، وطَمِعَ فيَّ مَنْ لا يدفع عن نفسه

وإنَّكَ لم يَفْخَرْ عَلَيْكَ كَفَاخِرٍ * ضَعِيفٍ، ولم يَغْلِبْكَ مثلُ مُغَلَّبِ

ورأيت القوم لا يقصرون دون دمي

فإن كُنْتُ مأكُولاً فكُنْ أنت آكِلِي * وإلاَّ فأدْرِكْنِي وَلَمَّا أُمَزَّقِ‏"‏

872- جَاحَشَ عَنْ خَيْطِ رَقَبَتِهِ‏.‏

خيط الرقبة‏:‏ نُخَاعها، وجاحَشَ‏:‏ دافَعَ يضرب لمن دافع عن نفسه‏.‏

قلت‏:‏ أصله من الْجَحْش الذي هو سَحْج الْجَلْد، يقال‏:‏ أصابه شيء فجَحَش وجهه، أي قَشَرَه، ومنه الحديث ‏"‏فجُحِشَ شِقُّه الأيمن‏"‏ والدافع عن نفسه يَجْحَش ويُجْحَش‏.‏

873- جَاءَ بِقَرْنَيْ حِمَارٍ‏.‏

إذا جاء بالكذب والباطل، وذلك أن الحمار لا قَرْنَ له، فكأنه جاء بما لا يمكنْ أن يكون‏.‏

874- اجْرِ ما اسْتَمْسَكْتَ‏.‏

يضرب للذي يفر من الشر‏:‏ أي لا تَفْتُر من الهرب وباَلِغْ فيه‏.‏

875- جَمِّعْ لَهُ جَرَامِيزَكَ‏.‏

جَرَامِيز الرجل‏:‏ جَسَده وأعضاؤه‏.‏

يضرب لمن يؤمر بالْجَلَد على العمل‏.‏

وجراميز الثور وغيرِه‏:‏ قوائمهُ، يقال‏:‏ ضَمَّ الثور جراميزه ليثب، قال الهُذَلي يصف حمار وَحْش‏:‏

وَأَصْحَمَ حَامٍ جَرَامِيزَهُ * حَزَابيةَ حَيَدَى بالدِّحَالْ ‏[‏ص 167‏]‏

876- اجْعَلُه فِي وِعَاءِ غَيْرِ سَرِبٍ‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ يضرب في كتمان السر وأصله في السِّقَاء السائل، وهو السَّرِبُ يقول‏:‏ لا تُبْدِ سرَّك إبداء السقاءِ ماءه، وتقديره‏:‏ اجعله في وِعاء غيرِ سَرِبٍ ماؤه‏.‏ لأن السَّيَلان يكون للماء‏.‏

877- جَشِمْتُ إِلَيْكَ عَرَقَ القِرْبَةِ‏.‏

أي تكلفت لك ولأجلك أمراً صعباً شديداً، وسيأتي شرحه في باب الكاف إن شاء اللّه تعالى‏.‏

878- أَجْنَاؤُهَا أَبْنَاؤُهَا‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ الأجناء‏:‏ هم الْجُنَاة، والأبناء‏:‏ البُنَاة، والواحد جَانٍ وبَانٍ، وهذا جميع عزيز في الكلام، أن يجمع فاعل على أفعال، قال‏:‏ وأصل المثل أن ملكا من ملوك اليمن غزا وخَلَّف بنتاً، وأن ابنته أَحْدَثَتْ بعده بنياناً قد كان أبوها يكرهه، وإنما فعلت ذلك برأي قوم من أهل مملكته أشاروا عليها وزَيَّنوه عندها، فلما قدم الملك وأخبر بمَشُورَة أولئك ورأيهم أمرهم بأعيانهم أن يَهْدِموه، وقال عند ذلك‏:‏ أَجْنَاؤُهَا أبناؤها، فذهبت مثلا‏.‏

يضرب في سُوءِ المَشُورَةِ والرأي، وللرجل يعمل الشيء بغير روِيَّة ثم يحتاج إلى نقض ما عمل وإفساده‏.‏

ومعنى المثل‏:‏ إن الذين جَنَوْا على هذه الدار بالهَدْم هم الذين عَمَروها بالبناء‏.‏

879- الْجَرْعُ أَرْوَى وَالرَّشِيفُ أَنْقَعُ‏.‏

الرَّشْفُ والرَّشِيف‏:‏ المصُّ للماء، والْجَرْع‏:‏ بَلْعه، والنَّقْعُ‏:‏ تسكين الماء للعطش، أي أن الشراب الذي يُتَرَشَّفُ قليلا قليلا أَقْطَعُ للعطش وأنجع وإن كان فيه بطء، وقوله ‏"‏أورى‏"‏ أي أَسْرَعُ رِيًّا، وقوله ‏"‏أنقع‏"‏ أي أَثْبَتُ وأدوم ريا، من قولهم ‏"‏سُمٌّ ناقع‏"‏ أي ثابت‏.‏

يضرب لمن يقع في غنيمة فيؤمر بالمبادرة والاقتطاع لما قدر عليه قبل أن يأتيه مَنْ ينازعه ‏.‏

وقيل‏:‏ معناه أن الاقتصاد في المعيشة أبلغ وأَدْوَمُ من الإسراف فيها‏.‏

880- جَمِّلْ وَاجْتَمِلْ‏.‏

يقال‏:‏ جَمَلْتُ الشحمَ واجْتَمَلْتُه أي أذبْتُه، وجَمَّلَ بالتشديد للكثرة والمبالغة‏.‏

يضرب لمن وقع في خِصْبٍ وسَعَة‏.‏

881- جَلْبَ الكَتِّ إِلَى وَئِيَّةٍ‏.‏

الكتّ‏:‏ الرجلُ الكَسُوب الجْمَوُع، والوَثِيَّة‏:‏ المرأة الحفوظ‏.‏

يضرب للمتوافِقَيْنَ في أمر‏.‏ ‏[‏ص 168‏]‏

ونصب ‏"‏جَلْبَ‏"‏ على المصدر‏:‏ أي اجلب الشيء جَلْبَ الكت‏.‏

882- جَزَيْتُهُ كَيْلَ الصَّاعِ بِالصّاعِ‏.‏

إذا كافأتَ الإحسانَ بمثله والإساءةَ بمثلها، قال‏:‏

لاَ نأْلَمُ الْجَرْحَ ونجزي به الْـ * أعداء ‏(‏الأعداء‏)‏ كَيْلَ الصَّاعِ بالصَّاِع

883- جَاءَ بالْهَيْلِ وَالْهَيْلَمَانِ‏.‏

إذا جاء بالمال الكثير، وقال أبو عبيد‏:‏ أي بالرمل والريح، ويروى الهَيْلُمان بضم اللام على وزن الْحَيْقُطَانِ، وقال بعضهم‏:‏ هو فَعْلُمان من الهَيْل‏.‏

884- جَاءَ بِالتُّرَّهِ‏.‏

هو واحد التُّرَّهَات، وكذلك ‏"‏جاء بالتَّهَاتِهِ‏"‏ وهي جمع التَّهْتَهْة، وهي اللُّكْنة، قال القُطَامي‏:‏

ولم يكن ما اجْتَدَيْنَا من مَوَاعدها * إلا التَّهَاتِهَ والأمنية السَّقَمَا

قال الأصمعي‏:‏ التُّرَّهات‏:‏ الطرقُ الصغار غير الجادة التي تتشعب عنها، والواحدة تُرَّهة فارسي معرب، ثم استعير في الباطل فقيل‏:‏ التُّرَّهَاتُ البَسَابِسُ، والترهَاتُ الصَّحَاصِحُ، وهي من أسماء الباطل، وربما جاء مُضَافاً يقولون‏:‏ تُرَّهَاتُ الْبَسَابِسِ، وهي قلب السباسب، يعنون المَفَاوز، قال الليث‏:‏ معناه جئْتَ بالكذب والتخليط، قال‏:‏ والبسابس التي فيها شيء من الزخرفة، وقال الأخفش‏:‏ هي التي لا نظام لها، وناس يقولون‏:‏ تره، والجمع تراريه، وأنشدوا‏:‏

رُدُّوا بني الأعْرَجِ إبْلِي مِنْ كَثَبْ * قبل التَّرَارِيِة وبُعْدِ المُطَّلَبْ

885- جَرَى فُلاَنٌ السُّمَّةَ‏.‏

أي جَرَى جَرْىَ السُّمَّةِ، فحذف المضاف يقال‏:‏ سَمَهَ الفرسُ يَسْمَهُ سُمُوهاً، إذا جرى جرياً لا يعرف اإعياء، فهو سَامِه، والجمع‏:‏ سُمَّه، قال رؤبة‏:‏

يا لَيْتَنَا والدَّهْرَ جَرْىَ السُّمَّهِ*

أي يجري جرى السمه التي لا تعرف الإعياء، ويروى‏:‏

لَيْتَ المَنَا وَالدَّهْرَ جَرْىَ السُّمَّةِ* أراد المَنَايا، فحذف كما قال الآخر‏:‏

ولبس العَجَاجَة والْخَافِقَات * تُرِيكَ الْمَنَا بِرُؤُوسِ الأسَلْ

والمعنى ليت المنايا لم يخلقها اللّه ولم يخلق الدهر - أي صروفه - حتى تمتعتُ بعشيقتي، ومثلُه‏:‏

886- جَرَى فُلاَنٌ السُّمَّهَي‏.‏

إذا جرى إلى غير أمرٍ يعرفه، والمعنى جَرَى في الباطل‏.‏ ‏[‏ص 169‏]‏

887- جَدَعَ اللّهُ مَسَامِعَهُ‏.‏

هذا من الدعاء على الإنسان، والمسامع‏:‏ جمع المِسْمَع وهو الأذن، وجَمَعها بما حولها، كما يقال‏:‏ غليظ المَشَافر، وعظيم المَنَاكب، ويقال أيضاً ‏"‏جَدْعاً له‏"‏ كما يقولون ‏"‏عَقْراً حَلْقاً‏"‏‏.‏

888- جَاءَ بأُمَّ الرُّبَيْقِ عَلَى أُرَيْقٍ‏.‏

قال أبو عبيد‏:‏ أم الرُّبَيْقِ الداهية، وأصله من الحيات‏.‏

قلت‏:‏ هذا التركيب يدل على شيء يحيط بالشيء ويَدُور به كالرِّبقْةَ، ورَبَقْتُ فلاناً في هذا الأمر، أي أوقعته فيه حتى ارْتَبَقَ وارْتَبَكَ، فكأن أم الربيق داهية تحيط وتدور بالناس حتى يرتبقوا ويرتبكوا فيها، وأما أُرَيْق فأصله وُرَيْق تصغير أَوْرَق مُرَخَّما، وهو الجمل الذي لونُه لونُ الرمادِ، وقال أبو زيد‏:‏ هو الذي يَضْرِب لونُه إلى الخضرة، فأبدل من الواو المضمومة همزة، كما قالوا‏:‏ وُجُوه وأُجُوه ووُقِّتَتْ وأُقِّتَتْ، قال الأصمعي‏:‏ تزعم العرب أنه من قول رجل رأى الغُولَ على جمل أورق‏.‏

ويقال أيضا في مثله‏:‏

889- جَاءَ بِالرَّقِمِ الرَّقْمَاءِ‏.‏

إنما أنث وصفه لأنه أراد بالرِّقِمِ الداهية، والرقماء تأكيد له، كما يقال‏:‏ جاء بالداهية الدهياء، ويقال‏:‏ وقع فلان في الرَّقِم الرَّقماء، إذا وقع فيما لا يقوم منه، والرَّقِم بكسر القاف لا غير‏.‏

890- جَانِيكَ مَنْ يَجْنِي عَلَيْكَ‏.‏

يقال‏:‏ جَنَى عليه جِناية، وأراد صاحب جنايتك من يجني عليك، فلا تأخذ بالعقوبة غيره‏.‏

وأَجْوَدُ من هذا ما قاله أبو عمرو، قال‏:‏ يعني الذي تلحقك منفعتُه هو الذي يلحقك عَارُه وتُعير بقبيحه، قلت‏:‏ يريد الذي يجني لك الخير هو الذي يجني عليك الشر، فقولهم‏:‏ جانيك معناه الجاني لك‏.‏ يقال‏:‏ جَنَيْتُ له، ثم تحذف اللام فيقال جنيته، كما يقال‏:‏ كِلْتُ له ووَزَنْتُ له، ثم تحذف اللام فيقال‏:‏ كِلْتُه ووَزَنْته‏.‏ قال تعالى ‏{‏وإذا كَالُوهم أو وَزَنوهم يخسرون‏}‏ أي كالوا لهم أو وزنوا لهم، قال الشاعر‏:‏

ولقد جَنَيْتُكَ أَكْمُؤاً وعَسَاقِلاً * ولقد نَهَيْتُكَ عن بَنَاتِ الأْوَبِر

أي جنيت لك‏.‏

891- أَجَنَّ اللّهُ جِبَالَهُ‏.‏

قال الأصمعي‏:‏ المعنى أجن اللّه جِبِلَّتَه، أي خلقته‏.‏

قلت‏:‏ لعله أراد أماته الله فيجَنْ، أي يُسْتَر بأن يدفن‏.‏ ‏[‏ص 170‏]‏ وقال غير الأصمعي‏:‏ ‏"‏أجن اللّه جباله‏"‏ أي الجبال التي يسكنها، أي أكثر الله فيها الجنَّ، أي أَوْحَشَها‏.‏

892- جَاءَ بِرَأْسِ خَاقَانَ‏.‏

قد مضى هذا المثلُ على الوجه في باب الباء فيما جاء على أفعل منه عند قوله ‏"‏أبْأَى ممن جاء برأس خاقان‏"‏‏.‏

893- جَاءَ السَّيْلُ بِعُودٍ سَبِيٍّ‏.‏

أي غريبٍ جَلَبه من مكان بعيد‏.‏ يضرب للنائي النازح‏.‏

894- جَاِوْرمَلِكاً أَو بَحْراً‏.‏

يعني أن الغِنَى يُوجَدُ عندهما‏.‏

يضرب في التماس الْخِصْب والسَّعَة من عند أهلهما‏.‏

895- جُدَيْدَةٌ فِي لُعَيْبَةٍ‏.‏

هذا تصغير يراد بن التكبير، أي جدّ سُتِر في لَعِب، كما قيل‏:‏ ‏"‏رب جِدٍّ جَرَّهُ اللعب‏"‏‏.‏

896- جِلاَءُ الْجَوْزَاءُ‏.‏

يقال للذي يبرق ويرعد‏:‏ جِلاَءُ الْجَوْزَاء، وهو بوارحها، وذلك أنها تطلع غُدْوة فتأتي بريح شديدة ثم تسكن‏.‏

يضرب للذي يتوعَّد ثم لا يَصْنع شيئاً وتقديره توعُّدُه جِلاَءُ الجوزاء، فحذف للعلم به‏.‏

897- جَاءَ بِمُطْفِئَةِ الرَّضْفِ‏.‏

أي جاءَ بأمر أشدَّ مما مضى، وأصل الرَّضْفِ الحجارةُ المُحْمَاة، أي جاء بداهية أنْسَتْنا التي قبلها فأطفأت حرارتها‏.‏

يضرب في الأمور العظام‏.‏

وفي حديث حذيفة رضي الله تعالى عنه حين ذكر الفِتَنَ فقال‏:‏ ‏"‏أتتكم الدُّهَيْم‏"‏ ويروى‏:‏ ‏"‏الدُّهَيماء‏"‏ ويروى ‏"‏الرقيطاء ترمي بالنَّشْف، والتي تليها ترمي بالرَّضْفِ‏"‏‏.‏

898- جَاءَ أَبُوهَا بِرُطَبٍ‏.‏

قالوا‏:‏ إن أول من قال ذلك شيهم بن ذي النابين العبدي، وكان فيه فَشَل وضَعْفُ رأيٍ، فأتى أرض النَّبيطِ في نَفَر من قومه فهوِىَ جارية نَبَطية حسناء فتزوجها فنهاه قومه وقال في ذلك أخوه محارب‏:‏

لم يَعْدُ شيهم أن تزوج مثله * فهما كشَيْهَمة عَلاَها شَيْهَم

ورَسُولُه الساعِي إليها تارةً * جُعَلٌ وطَوْرا عَضْرَ فُوطٌ ملجم

في أبيات بعدهما لا فائدة في ذكرها، ثم إن شيهما صار وحمل معه امرأته حتى أتى قومه وما فيهم إلا ساخر منه، لائم له، فلما رأى ذلك أنشأ يقول‏:‏ ‏[‏ص 171‏]‏

ألم تَرَنِي أُلاَمُ على نكاحي * فَتَاةً حُبُّهَا دَهْراً عَنَاني

رَمَتْني رَمْيَة كَلَمَتْ فؤادي * فأوْهَى القَلْبَ رَمْيَةُ من رَمَاني

فلو وجد ابنُ ذِي النَّابَيْنِ يَوْماً * بأخْرَى مثلَ وَجْدِي ما هَجَانِي

ولَكِنْ صَدَّ عنه السَّهْم صدّاً * وعَنْ عُرْض على عَمْد أتاني

فلما سمع القومُ ذلك منه كَفُّوا عنه، ثم إن أباها قدِم زائراً لها من أرضه، وحمل معه هدايا منها رُطَب وتمر، فلما ذاق شَيْهم الرطبَ أعجبته حلاوته، فخرج إلى نادي قومه وقال‏:‏

ما مراء القوم في جمع النَّدِى * ولقد جاء أبوُها بِرُطَبْ

فذهبت مثلا‏.‏ يضرب لمن يرضى باليسير الحقير‏.‏

899- جَنَيتْهُا مِنْ مُجْتَنًى عَوِيصٍ‏.‏

ويروى ‏"‏عريض‏"‏ أي من مكان صَعْب أو بعيد‏.‏

900- جِئْنِي بِه مِنْ حَسِّكَ وَبَسِّكَ‏.‏

ويروى ‏"‏من عَسِّك وبَسِّك‏"‏ أي ائْتِ به على كل حال من حيث شئت، وقال أبو عمرو‏:‏ أي من جَهْدك، ويقال‏:‏ لأطْلُبنه من حَسٍّي وبَسٍّي، أي من جَهْدي، وينشد‏:‏

تَرَكَتْ بيتي من الأشياء قَفْراً مثلَ أمْسِ*كل شيء قد جمعت من حَسِّي وبَسِّي

قلت‏:‏ الحَسُّ من الإحساس، والبَسُّ‏:‏ التفريق، يقال‏:‏ بَسَسْتُ المالَ في البلاد، أي فرقته‏.‏ والمعنى من حيث تدركه بحاستك، أي من حيث تُبْصره، ومن روى ‏"‏عَسِّك‏"‏ فيجوز أن تكون العين بدلا من الحاء، ويجوز أن يكون من العَسِّ الذي هو الطَّلَب، أي من حيث يمكن أن يُطْلب، وبسك‏:‏ أي من حيث تُدْرِكه بِرفْقِك، من أبَسَّ بالناقة إذا رَفَقَ بها عند الحلب، أو من حيث انْبَسَّتْ، أي تفرقت‏.‏ يضرب في اسفراغ الوُسْع في الطلب حتى يعذر‏.‏

901- جَاء يَنْفُضُ مِذْرَوَيْه‏.‏

المِذْرَوَان‏:‏ فَرْعا الأليتين، ولا واحد لهما، ولو كان لهما واحِدٌ لوجب أن يقال في التثنية مِذْرَيَان كما يقال مِقْلَيَانِ في تثنية المِقْلَى، وعبر بنَفْضِ مِذْرَوَيهِ عن سمنه، والعربُ تنفي الغَنَاء عن السمين اللحيم وتُثْبِته للمُخْتَلَق الهضيم ‏(‏المتخلق - بفتح اللام - التام الخلق المعتدله، والهضيم‏:‏ الضامر‏)‏ ولهم فيه أشعار كثيرة ليس هذا موضعها‏.‏ ‏[‏ص 172‏]‏

يضرب لمن يتوعَّدُ من غير حقيقة‏.‏

902- جَاء بِالشَّعْرَاءِ الزَّبَّاء‏.‏

إذا جاء بالداهية الدَّهْياء، وفي حديث الشعبي وقد سئل عن مسألة فقال‏:‏ زَبَّاء ذاتُ وَبَر، لو سئل عنها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعضلت بهم‏.‏

يضرب للداهية يَجْنيها الرجل على نفسه‏.‏

903- جَدُّكَ لاَكَدُّكَ‏.‏

يروى بالرفع على معنى جدك يغني عنك لا كدك، ويروى بالفتح أي ابْغِ جَدَّك لا كَدَّك‏.‏

904- جَلِيسُ السُّوء كالقَيْنِ إِنْ لَمْ يَحْرِقْ ثَوْبَكَ دَخَّنَهُ‏.‏

905- جَاء بِالضَّلاَلِ ابْنِ السَّبَهْلَلِ‏.‏

يعني بالباطل، قال الأصمعي‏:‏ جاء الرجل يمشي سَبَهْلَلا، إذا جاء وذهب في غير شيء، قال عمر رضي الله عنه‏:‏ إني لأكره أن أرَى أحَدَكم سَبَهْلَلا لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة‏.‏

906- جَاء بِدَبَى دُبَىٍّ، ودَبَى دُبَبَّيْنِ‏.‏

الدَّبَى‏:‏ الجرادُ، ودُبَىّ‏:‏ موضع واسِع، أي جاء بالمال الكثير كدَبَى ذلك الموضع‏.‏